م. عزام الحموي
في ظل المشهد السوري المعقد والممتد منذ سنوات تبرز تحديات كبرى ستواجه السوريين بعد سقوط النظام لعل أهمها الصراع الفكري المتوقع بين التيارات العلمانية والإسلامية حول شكل الدولة وإدارتها
هذا الصراع رغم أنه يبدو في ظاهره خلافاً أيديولوجياً عميقاً إلا أنه يمكن أن يتحول إلى فرصة لبناء رؤية وطنية جامعة إذا ما تمت معالجته بمنهجية قائمة على الحوار والشراكة لا على الإقصاء والتنافر
إن نقطة الانطلاق لأي مشروع جامع هي الاتفاق على ميثاق وطني يُرسي أسس الدولة المنشودة بعيداً عن التفاصيل الأيديولوجية التي تمزق المجتمع هذا الميثاق يجب أن يقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية مع التأكيد على الفصل بين السلطات وضمان استقلالية القضاء كحامٍ للحقوق والحريات
يجب أن تُجرَّم كل أشكال العنف السياسي وأن يكون الحوار هو الأساس لحل الخلافات
في قلب هذه المبادرة يجب أن تكون الهوية الوطنية السورية الهوية الجامعة التي تتجاوز الانتماءات الأيديولوجية والدينية والعرقية
لا يمكن بناء دولة حديثة إذا ما ظلت الانقسامات تعلو على فكرة الوطن الواحد إن التنوع الذي يميز سوريا يجب أن يُرى كمصدر قوة يُثري التجربة الوطنية ويمنحها بعداً إنسانياً وحضارياً
ولتحقيق هذا الهدف يمكن تشكيل مجلس مشترك يضم ممثلين عن جميع التيارات السياسية والفكرية يعمل كمنصة للحوار الوطني ورسم خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية.
هذا المجلس سيُركز على تحديد القواسم المشتركة وترتيب الأولويات بعيداً عن محاولة أي طرف فرض هيمنته على الآخر
إن بناء نظام ديمقراطي يضمن الحريات هو الضمانة الوحيدة لطمأنة جميع الأطراف حرية الفكر والتعبير والاعتقاد يجب أن تكون مقدسة مع التأكيد على منع استغلال الدين أو الأيديولوجيا كوسيلة لقمع الآخر
دولة القانون وحدها يمكنها أن تضمن هذه المبادئ عبر قضاء مستقل يحكم بالعدل ويضمن المساواة بين الجميع
لكن البناء السياسي وحده لا يكفي فالتحديات الاقتصادية والاجتماعية ستشكل حجر الأساس في استقرار البلاد
إن خطة إنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار يجب أن تكون أولوية قصوى لأنها ستقلل من التوترات السياسية وستمنح الجميع فرصة للانخراط في عملية البناء بدل الانشغال بالصراعات
إن تجارب دول أخرى مرت بظروف مشابهة مثل جنوب أفريقيا التي عاشت مرحلة انتقالية صعبة يمكن أن تكون مصدر إلهام تلك التجارب أظهرت أن بناء المصالحة الوطنية ممكن إذا ما توفرت الإرادة السياسية ووضعت آليات واضحة لتحقيق العدالة والتسامح
على المستوى الثقافي والإعلامي يجب أن تنطلق حملة واسعة لنشر خطاب الاعتدال والقبول بالآخر خطاب يرفض العنف والإقصاء ويُعزز ثقافة المواطنة
حيث يمكن عقد ندوات وورش عمل تجمع مختلف الأطراف لبناء الثقة وتنظيم برامج توعية تزرع مفاهيم التسامح والمصالحة في أذهان الجيل الجديد
إن ضمان حقوق المكونات على اختلافها وتمثيلها العادل في العملية السياسية هو جزء لا يتجزأ من هذا المشروع سوريا المستقبل يجب أن تكون دولة يتساوى فيها الجميع بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو أفكارهم
وأخيراً وليس آخرا لا بد من وضع خارطة طريق واضحة للمراحل القادمة تبدأ بمرحلة انتقالية توافقية تعمل على إدارة البلاد بشكل تشاركي وتنتهي باستفتاء شعبي يقرر فيه السوريون شكل الدولة ونظام الحكم الذي يتطلعون إليه
إن مستقبل سوريا يتطلب شجاعة فكرية وإرادة جماعية لبناء وطن يتسع للجميع وطن يحقق العدالة والحرية والكرامة لكل مواطن
هذه ليست مجرد أحلام بل خطوات عملية يمكن تحقيقها إذا ما توفرت النوايا الصادقة والجهود المخلصة لرأب الصدع وبناء سوريا جديدة تكون فيها نموذجاً في التعددية والوحدة.