م. عزام الحموي
لطالما كانت العدالة قيمةً عليا ومطلقة لا تخضع للانتقاء أو الحسابات السياسية
لكنها في المشهد السوري باتت مجرد شعار يُستخدم وفقاً للهوى والمصلحة فهناك من يرفع صوته اليوم مدافعًا عن الأقليات وحقوقها ويبكي على أي انتهاك تتعرض له لكنه في المقابل يصمت صمت القبور أمام الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق الأكثرية من شعبه
هذا ليس موقفًا حقوقيًا ولا إنسانيًا بالمطلق بل هو عنصرية فكرية تتستر بعباءة الأخلاق
لماذا لا نسمع هؤلاء ينتقدون القصف بالكيماوي على الغوطة؟
لماذا لم نرى استنفارهم حين تُرتكب المجازر بحق مدنيين في درعا أو حمص أو حلب؟
لماذا تُرفع لافتات التنديد فقط عندما تكون الضحية من الأقليات؟ هل أصبح السوريون درجات؟
هل فقد البعض حسه الإنساني ليصبح مناصراً لحقوق الإنسان “بالانتقاء”؟
العدالة لا تكون بعدد الضحايا ولا بانتماءاتهم ولا يمكن أن تُختزل بدماء فئة دون أخرى
كل سوري قُتل أو اعتُقل أو هُجّر ظلماً يستحق أن يكون في صدارة المشهد الحقوقي
لكنّ البعض بدلاً من أن يكونوا منصفين اختاروا أن يضعوا أنفسهم في موقع القاضي المنحاز الذي يوزع التعاطف وفقًا لخلفية الضحية ويمارس ازدواجية معايير لا تقل خطورة عن الجرائم نفسها
هناك من يبرر لنظام ارتكب أفظع الجرائم بحجة أنه “يحمي الأقليات” متناسين أن العدالة لا تفرق بين طائفة وأخرى وأن سوريا لم تكن يومًا بلدًا للأقلية أو للأكثرية بل كانت وطنًا للجميع
هؤلاء لا يختلفون كثيرًا عن منطق الطغاة الذين يقسّمون البشر وفقاً لمصالحهم متجاهلين أن الظلم عندما يُغذى بهذه الطريقة لا يولّد إلا مزيدًا من الحقد والكراهية
ويعيد إنتاج المظالم التي يدّعون أنهم يحاربونها
إن كنا نريد بناء سوريا ديمقراطية حقيقية فعلينا أن نكون صادقين في مواقفنا وأن نقف إلى جانب المظلوم كائناً من كان لا أن نصنّف الضحايا وفقاً لهويتهم أما من يختار طريق التمييز في الدفاع عن الحقوق فهو لا يدافع عن العدالة بل يعمّق الشرخ المجتمعي الذي دفع السوريون أثمانًا باهظة لمحوه.