تمتلك الهيئة اليوم الشرعية الكبرى في الشارع السوري لمبادرتها ومبادأتها ونجاحها في إسقاط النظام وتحرير سوريا بعد أكثر من نصف قرن من الاستبداد في سيناريو أقرب ما يكون إلى الخيال والأماني والأحلام الجميلة.
كما أنّ الهيئة كما يبدو جليا هي الجهة الأكثر تنظيما وانضباطا مع امتلاك جهاز إداري وحكومي قادم معها من إدلب ذو تجربة سابقة في الحكم لا بأس بها هناك.
أضف إلى ذلك أنّ هناك تراكض دولي وإقليمي للتواصل معها بوصفها سلطة الأمر الواقع على الرغم من الريبة والشك وحتى الخصومة الفكرية والأيديولوجية والسياسية مع مشروعها.
بناء على ذلك كله قد يكون من السخف مطالبة الهيئة وزعيمها بالتنحي جانبا من الحكم أو إشراك معارضة سياسية عجزت لسنوات عن التوحد وقيادة النضال الوطني فضلا عن النجاح في التحرير وإسقاط النظام. وهذه المعارضة بحكم ضعفها وافتقادها لأدوات القوة والتأثير قد خسرت الكثير من شرعيتها، فهي قد قبلت بالسقوف المنخفضة المطروحة دوليا وإقليميا والتي زادت من شهية نظام الأسد في التعنت والصلف عن التنازل لها أو مشاركتها في السلطة بما يذكر بمعضلة التفاوض العقيم بين السلطة الفلسطينية و إسرائيل.
نعم جميعنا يتطلع اليوم لسوريا حرة وديمقراطية محكومة بالعدل والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان ولكن كما يقال فإن كل نظام سياسي هو من يصنع معارضيه ، واستبدادا وحشيا كما النظام الأسدي السابق ما كان بالضرورة ليسقط إلا بمعارضة مسلحة قوية ومنظمة ومؤدلجة وشرسة عند الحاجة.
بناء على ذلك كله فإنّ الآمال والطموحات بدولة الحريات والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان لا يمكن تحقيقها في سوريا اليوم إلا بالحوار والتفاهم الصادق والوطني مع قيادة الهيئة.
نعم هناك ضغط دولي وإقليمي على الهيئة لتكون اكثر انفتاحا وتشاركية وتعددية في حكمها. كما أنّ هناك ضغط شعبي خجول حتى اللحظة للمطالبة بحكم عصري أكثر ديمقراطية ومدنية ولكن هذا لوحده لا
يكفي.
لا بدّ في الحقيقة من حوار جاد ووطني بعيدا عن الإعلام مع الهيئة وقيادتها لإقناعهم بإشراك الآخرين بالحكم وبناء نظام سياسي عصري وديمقراطي حقيقي لما فيه مصلحتهم ومصلحة سوريا المستقبلية .
الهجوم على الهيئة والمعارضة الشرسة لها في هذه الفترة الحساسة قد ينتج تصلبا وتعنتا من قبلها لا داعي له، كما أنّه قد يخلق استقطابا حادا في الشارع السوري قد تستفيد منه خلايا الثورة المضادة قيد التشكل أو دعاة الفوضى والانفصال والتقسيم والاحتراب الأهلي والطائفي.
على النخب اليوم في سوريا أن تكون أكثر واقعية وحكمة في قراءة المشهد السوري وفي التعاطي مع موازين القوى الناشئة في سوريا لخلق البيئة الأنسب والآمن لولادة سوريا الجديدة.
الكاتبة رند المالح