أسامة آغي
استقرار سورية سياسياً بعد إسقاط منظومة الأسد هو الهدف الأكثر أهمية بالنسبة للسوريين ولدول الجوار والعالم، هذا الاستقرار ليس مجرد شعارات على صورة أمنياتٍ ووعود طيّبة، وإنما هو فعل تاريخي يحتاج إلى تشارك فعّال من كل قوى الثورة والمعارضة دون استثناء وفي مقدمتها الائتلاف الوطني السوري، الذي بقي حاملاً للواء مطالب السوريين كممثّل سياسي للثورة والمعارضة السورية معترفٍ به أممياً ودولياً.
اجتماع ممثلي كلّ قوى الثورة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني في مؤتمر وطني واحد هو أيضاً ضرورة، حيث تتجمّع في هذا المؤتمر كلّ الرؤى الفكرية والسياسية، التي ستناقش علناً حاجات استقرار سورية سياسياً وأمنيّاً واقتصادياً، ولهذا لن يكون هذا المؤتمر مفيداً إذا تمّت الدعوة إلى حضوره على صورة دعوات فردية.
المؤتمر الوطني الشامل هو إطار عملٍ وطني تتفاعل فيه كلّ الرؤى والأفكار بغية تلمّس أفضل الطرق التي تذهب بسورية نحو استقرارها السياسي والاجتماعي العميقين، وهذا يحتاج إلى لجنة مشتركة تتكون من الإدارة السياسية الحالية التي يرأسها قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، ومن الائتلاف الوطني السوري الذي يرأسه هادي البحرة، ولهذا فحضور المكونات السورية السياسية والاجتماعية كتمثيلات على قاعدة الوطنية السورية هو من يمنح هذا المؤتمر بنيته الوطنية الفاعلة، دون إقصاءٍ لأي مكون سياسي أو اجتماعي سوري.
المؤتمر الوطني الشامل ينبغي أن يلعب دور برلمان وطني مؤقت، إذ يمكن من خلاله تشكيل حكومة انتقالية تمثّل كلّ السوريين، تلعب دوراً حاسماً في ترسيخ الوحدة الوطنية وتنفيذ برنامج المرحلة الانتقالية التي تتضمن تحقيق العدالة الانتقالية، واختيار الأكفاء من كلّ الفئات لكتابة دستور جديد للبلاد، يكون محتواه الحقيقي دولة مواطنة ومؤسسات ديمقراطية ترتكز على مبدأ فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى استقلالية وسائل الإعلام.
إن حكومة انتقالية تتشكل من أوسع طيف لقوى الثورة والمعارضة ومن شخصيات تكنوقراطية، يمكنها تجنيب البلاد أيَّ عثراتٍ كبرى في تنفيذها لبرنامج توفير الخدمات الأكثر أهمية لمجموع الشعب السوري، كتوفير الخبز بأسعاره الطبيعية، وتوفير الطاقة الكهربائية، والمشتقات البترولية بما فيها والغاز الخاص بالطهي، وخفض أسعار المواد، وتوفير المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى تعميق وتطوير العملية التربوية التعليمية، وهذا كله يرتبط ببرنامج إعادة إعمار سورية، حيث يحتاج ذلك إلى تنظيم مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة.
إن توجهات الإدارة السياسية المؤقتة حيال وضع تشكيل حكومة انتقالية لا يزال غامضاً وغير مفهومٍ، وبالتالي فمثل هكذا حكومة لا يمكنها أن تتشكل دون تشارك حقيقي بين طرفين رئيسيين يمثلان الطيف الأوسع لقوى الثورة والمعارضة، ونقصد طرف الإدارة السياسية التي تمثلها حكومة محمد البشير من جهة، وطرف الائتلاف الوطني السوري الذي ينضوي في حكومته الجيش الوطني السوري، الذي ساهم بتحرير سورية من قبضة ميليشيات نظام أسد والميليشيات الشيعية الأجنبية الأخرى.
إن حضور قوى الثورة كقوى ذات برامج سياسية في المؤتمر الوطني الشامل يساهم دون شكٍ في منع حالة فرض الاستفراد السياسي للسلطة في البلاد من قبل الإدارة السياسية الحالية، فسورية ليست غنيمة حصلت عليه قوات “ردع العدوان”، وليس صحيحاً القول إن الإدارة السياسية المنبثقة عنها هي الجهة الوحيدة التي تمثّل طيف الثورة السورية الواسع، فهذه الإدارة هي تمثيل جزئي من قوى الثورة السورية.
إن دول جوار سورية ودول منطقة الشرق الأوسط معنية باستقرار سورية وفق مقدمات مصالح دولها، وهذا طبيعي، ولكن استقرار سورية هو مهمة تاريخية لشعبها وقواه السياسية، وبالتالي فهذا الاستقرار لا تخلقه جماعة عسكرية محددة ذات توجهات سياسية وإيديولوجية خاصة بها، وإنما هو فعل تتشارك في خلقه كل قوى الثورة ومنظمات المجتمع المدني السورية.
الاستقرار السياسي في سورية هو مهمة كل القوى الثورية السورية، ولذلك، فانعقاد مؤتمر وطني شامل يعني مشاركة كل هذه القوى في تحقيق استقرار سورية، وهذا يبعد عن الشعب السوري محاولة القوى الخارجية التي تريد إفراغ الثورة بعد انتصارها من أهدافها الحقيقية، هذه الأهداف تتمثّل بكل جلاء بدولة مواطنة سورية ديمقراطية، لا تستأثر فيها السلطة التنفيذية بحكم البلاد، وإنما تلعب دورها بما يقرره الشعب السوري من مهام وبرامج عبر ممثليه المنتخبين بحرية وشفافية حقيقيتين.
هذا الاستقرار بحاجة إلى وحدة فصائل الثورة السورية في جيش وطني احترافي تراتبي، حيث يمكن تحقيق هذه الغاية من خلال الاتفاق على آليات بناء هذا الجيش، دون أن يتمكّن أي فصيلٍ من الهيمنة على هذا الجيش، باعتبار إن عقيدته هي حماية البلاد من أي عدوان دون أن يتدخل في الشأن السياسي الوطني.
كذلك الأمر بالنسبة لقوى الأمن العام، فهذا الجهاز يجب أن يبنى على احترام قيم المواطنة واحترام الدستور واحترام حقوق الإنسان، واحترام كلّ مكونات الشعب السوري السياسية أو غير السياسية دون أي تمييزٍ من أي نوعٍ كان.
الإدارة السياسية الحالية التي تمثلها حكومة محمد البشير معنية بتحقيق أسس الوحدة الوطنية، هذه الوحدة ممكنة في ظلّ انعقاد مؤتمر وطني سوري شامل، لا يكون محسوباً على هذه الإدارة، وإنما يكون من ممثلين للطيف السياسي السوري الشامل، ومن ممثلي قوى المجتمع المدني، ومن شخصيات وطنية ذات خبرات تكنوقراطية عالية.
إن محاولات قوى الثورة المضادة المرتبطة بجذور النظام البائد في زعزعة استقرار البلاد، أو الدعوات المشبوهة لبعض الفئات ذات التوجه الطائفي أو الديني المنغلق، التي تريد ترسيخ نفسها كقوى شرعية، إنما هي دعوات للالتفاف على جوهر الثورة السورية، المتمثل ببناء دولة مواطنة لكل السوريين على قاعدة المدنية الديمقراطية التعددية، وهذا يجب أن تلاحظه الإدارة السياسية المؤقتة، بأنها لن تستطيع بمفردها السيطرة على كل هذه الانحرافات والتهديدات، وهي يجب أن تتشارك فعلياً مع كل قوى الثورة والمعارضة، سواء في شمال البلاد أم في جنوبه أم في كل مناطقه، وتحديداً مع الائتلاف الوطني والجيش الوطني السوري التابع للحكومة المؤقتة في الشمال المحرّر.
فهل تذهب حكومة محمد البشير وقائدها السياسي أحمد الشرع إلى هذا الخيار الوطني الواسع والضروري، أم إنها ستجد في نفسها هي البديل عن نظام أسد وهذا ليس في مصلحة سورية أو إدارتها السياسية الجديدة؟