الأخوات والإخوة أبناء سورية في كل مكان…
أخاطبكم في وقت تسود بيننا جميعا حالة من التساؤل والترقب لما ستؤول إليه أوضاع بلادنا الحبيبة التي تشهد أحداثا جساما، وتقاطعات إقليمية ودولية، لا بدّ أن يكون لنا فيها موقف وطني لا تمليه أية حسابات فئوية أو أجندات خارجية..
لقد هب شعبنا الأبي مطالبا بالحرية وإنهاء الاستبداد وواجه حربا عاتية سقط فيها مئات الآلاف من القتلى والمصابين والمعتقلين والمختفين قسريا، وقاسينا جميعا شتى صنوف المعاناة طوال الأعوام الماضية، وها هو بشار الأسد في تصريحه الأخير يتعهد بالمزيد من القتل والدمار، متجاهلا إخفاقاته المتتالية، وضاربا بالقرارات الأممية والمبادرات العربية والإقليمية عرض الحائط، ومؤثرا لغة الدم التي لا يعرف غيرها.
وقد أثبتت الأحداث التي شهدناها في الأيام الماضية أصالة السوريين وثباتهم، مؤكدين أن هويتنا الوطنية أكبر من أية جماعة أو فئة أو إثنية، فتمّ تأمين مدينة حلب وشتى البلدات والمدن السورية بعد طرد الميلشيات الطائفية منها وتحرير مئات المعتقلين وإعادة الأمن كلّ ذلك بدون إراقة للدماء أو أيّة تجاوزات تذكر بحق المدنيين.
ولا بد في خضم الأحداث المتسارعة من إعادة التأكيد على أن وحدة الأراضي السورية واستقلالها هي أحمر، ولا يمكن القبول بأية مشاريع تقسيمية تحت أية ذريعة كانت، وعلى حرمة الدم السوري ومنع التعدي على الأموال والأعراض والممتلكات.
وعلينا أن ندرك أنه لا مستقبل لنا في سورية إلا من خلال التسامح بين جميع فئات المجتمع، وتحقيق المواطنة المتساوية والعيش المشترك، ومحاربة خطاب الكراهية والطائفية والتمييز، وأن نتذكر أنّ الهدف الأسمى من حراكنا هو تحقيق العدالة وحرية الشعب السوري وصيانة كرامته عبر تأسيس نظام حكم يصون الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين ضمن إطار الهوية الجامعة والوطن الواحد، ويضمن عودة اللاجئين والنازحين والمبعدين إلى وطنهم ومناطق سكناهم الأصلية، ويتبنى برنامجا شاملا لإعادة الإعمار واستعادة البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، ويعالج الأزمة الاقتصادية، وغيرها من الأزمات التي كان بشار الأسد المتسبب بها طوال الأعوام الماضية، ورهن بقاءه في الحكم بافتعال المزيد من الأزمات وتصديرها إلى دول الجوار.
وفي ظل هزائمه المتسارعة على الجبهات كافّة؛ نطالب العقلاء في عواصم الدول الداعمة لبشار بتغليب مصاح بلادهم والامتناع عن مشاركته مرة أخرى في سفك الدم السوري: لقد ورّطكم بشار في المساهمة بارتكاب أكبر مذبحة شهدها القرن الحادي والعشرون ؛ راح ضحيتها ملايين القتلى والمصابين والمهجرين واللاجئين، والمنكوبين، وعلى الرغم مما بذلتموه لتثبيت حكمه فها أنتم ترون هشاشته وفشله وتهاوي ،سلطته، وما أحوجكم إلى اغتنام هذه الفرصة السانحة لرفع هذا العبء المادي والأخلاقي عن أكتافكم، فليس من مصلحتكم معاداة شعب بأكمله، لأجل إبقاء فرد متسلط في الحكم، وليس من مصلحتنا إثارة أية عداوات إقليمية أو دولية.
ونطلب من المجتمع الدولي، ومن الدول الشقيقة والصديقة مضاعفة جهودهم في هذا الوقت الحرج لإنهاء معاناة الشعب السوري، عبر إنجاز حل سياسي يقوم على الشرعية الدولية والقرارات الأممية، وخاصة القرار 2254، يضمن وحدة البلاد وتماسك مجتمعها ويحافظ على الدولة، ويوقف القتل والدمار، وينتشل ملايين المدنيين السوريين من التهجير القسري، والقتل الممنهج، والفقر المدقع وغيرها من صور المعاناة التي لازمتهم في السنوات الأربع عشرة الماضية، والتي آن الأوان لإنهائها.
إننا نمد يد التعاون مع جميع الجهود المخلصة في مبادرة تخلّص البلاد من الاستبداد والميلشيات الطائفية والأجندات الخارجية، وتحقن الدم السوري، وتعيد ألق سورية دولة محورية تسهم في تحقيق الأمن والتوازن الإقليمي، ولا شكّ في أن الأوضاع الإقليمية الراهنة تضعنا جميعا أمام مسؤولية جماعية لإنقاذ البلاد وتحقيق السلم والأمن المشترك.