السياسيون الروس غير قادرين على التعبير عن آرائهم الشخصية، إذ يقتصر دورهم على تبني وجهات نظر الرئيس المحترم، والحكومة الموقرة، والحزب الوطني. ولا يمكنهم مشاركة آرائهم الشخصية بشأن ما يحدث من حولهم إلا مع صديق مقرب في المساء، داخل المطبخ، بعد التأكد من إغلاق النوافذ بإحكام.
لذلك، عندما يصف عضو المجلس التنسيقي في الغرفة العامة الروسية، والمحلل السياسي فلاديمير كارسيوف، الذي يظهر بانتظام على القنوات التلفزيونية الفيدرالية، رئيس أذربيجان بـ”المثلي”، فإنه لا يعبر عن رأيه الشخصي، بل يقول ما يود أصحاب الكرملين سماعه. لا شك أن أسياد الكرملين كانوا يودون أيضًا إهانة إلهام علييف واحتقاره، لكنهم، احترامًا للبروتوكولات الدبلوماسية وأبسط قواعد اللياقة، يمتنعون عن القيام بذلك. ومع ذلك، فإن سياسيين آخرين مثل سيرجي ماركوف وكونستانتين زاتولين وفلاديمير كارسيوف لا يفوتون الفرصة لإرضاء الكرملين وتشويه سمعة علييف.
ووفقًا لمنطق فلاديمير بوتين، فإن جنوب القوقاز وآسيا الوسطى هما منطقتان لا تنفصلان عن روسيا منذ فترة طويلة. أما استقلال هذه المستعمرات السابقة وتحولها إلى دول ذات سيادة، فهو مجرد خطأ تاريخي مؤسف. ومع ذلك، فإن السياسة الحكيمة للزعيم الروسي ستغير هذا الوضع. قد لا يحدث ذلك اليوم أو غداً، ولكنه سيحدث بالتأكيد في المستقبل القريب. هذه التطلعات الحلمية يتشاركها المجتمع الروسي بأكمله، من فلاديمير بوتين الذي يرى نفسه إمبراطوراً يستعيد أمجاد روسيا القديمة، إلى العامل البسيط في مصنع “أورالفاغونزافود”.
يحب الروس إلقاء اللوم على السكان البيض في أمريكا الشمالية بسبب موقفهم تجاه الأمريكيين من أصل أفريقي في كل فرصة، لكن بالنسبة لهم، يعتبر سكان القوقاز وآسيا الأصليون مجرد أفراد من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال.

يكفي أن نتذكر كيف وصف ميدفيديف الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي بـ”الحمقاء”، وأضافت زاخاروفا أنها “المرأة التي لا عقل لها ولا قلب”. وقد عبر السياسيون الروس من ذوي الرتب الأدنى عن آرائهم بشكل أكثر قسوة في تصريحاتهم.
الناطقة الرئيسية للدعاية الإمبراطورية، مارغاريتا سيمونيان، على مدار الست سنوات الماضية (منذ وصول نيكول باشينيان إلى السلطة في أرمينيا في عام 2018) لم تتوقف عن مهاجمة السلطات الأرمنية، في تصرف غريب تحاول من خلاله تبرير ذلك بحجة أن أصولها العرقية تمنحها حقًا أخلاقيًا لمهاجمة مواطنيها باستمرار.
وفي سياق آخر، انتقد المخرج السينمائي والصحفي تيغران كيوسيان، في عام 2022، رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف لعدم تنظيم العرض العسكري والموكب الاحتفالي في أستانا بمناسبة يوم النصر 9 مايو لعدة سنوات متتالية.
على الرغم من أن سلطات كازاخستان كانت تبرر قراراتها بعواقب جائحة كوفيد-19 (سواء في مجال الرعاية الصحية أو في المجال الاقتصادي)، إلا أن كيوسيان اتهم السلطات وسكان كازاخستان العاديين بكل الخطايا الممكنة وغير الممكنة.
في هذه الحالة، عندما تعرض الرئيس علييف لإهانة كبيرة، يجب أن ندرك أنه، على عكس أرمينيا وكازاخستان، تعتمد أذربيجان بشكل أقل بكثير على علاقاتها السياسية والتجارية والاقتصادية مع روسيا. لذلك، لا يمكن الشك في أن علييف سينتقم لإهانته من قبل كاراسيوف (وبالتالي من بوتين)، ولإسقاط الطائرة المدنية الأذربيجانية من قبل القوات الروسية، وللتصرف الخسيس والوقح المتمثل في توجيه الطائرة المتضررة نحو كازاخستان، مع الأمل الواضح في تحطمها في مياه بحر قزوين.
من الممكن أن لا يرد الرئيس علييف على الكرملين اليوم أو غدًا، لكن لا شك أن رد فعل باكو غير العلني على جميع الفظائع التي ارتكبتها روسيا ضد أذربيجان سيكون في الوقت المناسب وبشكل واضح.
